المقالات

دائرة تفعيل إدارة التغيير

Image placeholder

د. عبدالملك محمد ملهي

الرئيس التنفيذي

شغل التغيير وإدارة التغيير في عصرنا الحاضر أذهان الكثير من الأفراد وحياة العديد من المنظمات والمجتمعات. والمتتبع لتاريخ ظهور هذا المصطلح، يجد بداياته أوائل القرن العشرين، حيث تم تطوير نموذج
  (Kurt Lewin) في الأربعينيات، ومن ثم جاء كتاب "انتشار الابتكارات" لإيفريت روجرز عام 1962، كما تم تطوير نموذج الجسور الانتقالي عام 1979، ورغم ذلك لم تُعْرَف إدارة التغيير في بيئة الأعمال إلا في التسعينيات وبدأت عمليات تنظيمه بشكل أوضح في بداية هذه الألفية. ([1])

وقد أدت الثورات المتوالية والمتسارعة لتقنيات العصر، إلى انفجار معلوماتي هائل أحدث ذوبانا للفواصل الجغرافية بين الأقطار، كما أن انتشار بعض الأوبئة العالمية، مثل: وباء (COVID-19) قد أثر بشكل بالغ في تغيير معالم الكثير من طرق ووسائل أداء الأعمال على مستوى الشركات والدول، الأمر الذي جعل العالم يجري دون توقف ليتمكن من الاستمرارية، وليلحق بكل تلك التقنيات والاختراعات الجديدة التي تسهل كل يوم حركة الإنسان، وأوجدت تغييرات جذرية في توجهاته وحاجاته وذوقياته ورغباته، ولهذا فقد استحوذ التغيير وإدارة التغيير على اهتمام الدول والشركات وبدوافع مختلفة، فالبعض كان اهتمامه بدافع الخوف من الاندثار، ومنهم من اهتم بإدارة التغيير ليتمكن من مواكبة سرعة التغيير كيلا يتراجع عن موقعه، ومنهم من سابق ولا يزال يسابق عجلة التغيير ليكون قائدا فيها لا تابعاً وليكون رائدا فيها لا متابعاً.

ولهذا وغيره من الأسباب برزت أهمية هذا المفهوم ليتحول من مفاهيم نظرية إلى مراحل وعمليات تطبيقية منمذجه، لتظهر بعد ذلك في شكل موازنات مالية لإدارة التغيير كجزء من موازنة أي مشروع أو مبادرات يتم تخطيطها وتنفيذها في منظمات الأعمال. ولعل هذا ما أبانت عنه نتائج دراسة جديدة لشركة برايس ووتر هاوس كوبرز والتي أظهرت بأن المؤسسات المالية تنفق في المتوسط (14٪) من تكاليف التشغيل السنوية على وظائف إدارة التغيير من أجل زيادة مكاسب الإنتاجية. ([2])

وهنا قد يتبادر لأذهان أرباب وقيادات العمل في الشركات بأن إدارة التغيير جاءت لتمثل تكلفة إضافية وعبئا على موازنات الخطط والمشاريع وبخاصة حينما تكون تلك التكلفة عالية جدا، لكن ليطمئنوا فالواقع أثبت أن تلك التكلفة على تطبيق إدارة التغيير قد أعطت قيمة مضافة تتمثل في أنها كانت عاملا حاسما في إنجاح عمليات التخطيط الاستراتيجي والتنفيذي والتشغيلي وفي عمليات التطوير التنظيمي والوظيفي التي كانت تفشل في أحيان كثيرة، بسبب مقاومة التغيير.

فمن نتائج دراسة حديثة أٌجْرِيَت في المملكة المتحدة تَبَيَّنَ بأن تلك النفقات التي صرفت على أنشطة إدارة التغيير أدت إلى جني مكاسب ضخمة بتكلفة قليلة نسبيًا مع عائد استثمار (ROI)وصل إلى حوالي ( 650 %)، وفي تقرير صادر عن شركة الاستشارات البريطانية (Change first ) أفاد أكثر من (40 %) من حوالي (2500) مدير تغيير شملهم الاستطلاع في ( 120 ) منظمة،  بأن أنشطة إدارة التغيير وحدها كانت مسؤولة عن ثلث مكاسبهم المالية على الأقل بعد فترة تسعة أشهر، شمل هذا الاستطلاع مديري التغيير والمشاريع والمتخصصين في الموارد البشرية والتعلم، والمستشارين. ([3])

ولعل تلك النجاحات المالية الملموسة التي حققتها إدارة التغيير كانت سببا رئيسا لتوجه مزودي خدمات استشارات التخطيط والتنظيم والتطوير المؤسسي لابتكار ولتطوير ممارساتهم ومنهجياتهم لتصبح شرطا واجبا يصاحب ويلازم تنفيذ كافة عمليات التخطيط والتنظيم المؤسسي، لضمان نجاح تلك العمليات التطويرية وإزالة مقاومتها أو على الأقل لتحييد أشكال تلك المقاومة السلبية للتغيير. وفي هذا الصدد يمكننا ذكر أبرز قائمة منهجيات مبتكرة لإدارة التغيير وهي مرتبة أبجديًا وتتضمن النماذج الأكثر ملاءمة لأي قطاع وصناعة وفي أي بلد وهي: ([4])

  1. Accelerating Implementation Methodology (AIM)
  2. AGS Change Model
  3. Bridges’ Change Management Framework
  4. John Kotter’s OCM Methodology
  5. Kurt Lewin Change Model
  6. McKinsey 7-S Change Model 
  7. Prosci Change Management Methodology (ADKAR)

ومهما كثر الحديث عن أهمية ونجاعة تلك النماذج وغيرها؛ فإنه (من وجهة نظري) ينبغي لضمان نجاح أي عملية تغيير تحدث في منظمة أو لفرد أن تمر دائرة التغيير بعدد من النقاط أو المراحل التي يتوجب أن تحدث، ويمكن أن أطلق عليها دائرة تفعيل عمليات التغيير، وهي:

القناعة: وهي جذر التغيير: وتعني توفر قناعة الفرد أو المؤسسة بوجود مشكلة أو موقف غير مرضي يحتاج إلى التغيير.

الاستعداد وتوفر الحافز: وهما عمودان أساسيان لا تقوم أي عملية تغيير (من وجهة نظري) إلا بهما، وتعنيا: أن يتوفر الاستعداد النفسي لدى الفرد أو المنظمة لقبول التغير وأن يوجد معه حافزٌ مَّا يُحَفِّزُ الناس لخوض غمار عمليات التغيير (بغض النظر عن نوعية ذلك المحفز فربما يكون القيادة وربما القدوة ويكمن أن يكون التوعية أو المال.... الخ).

الاستمرارية والصبر: وهما عاملا نجاح حاسمين لإحداث عملية التغيير: فبدون وجودهما معا لا يمكن أن يحدث التغيير المطلوب، وذلك أنه لا يتصور أن تحدث عملية التغيير من مرة واحدة، فالتغيير في كثير من الأحيان يأتي ليقضي على أو يعدل سلوكا أو عادة او طبعاً أو ممارسة او طريقة أو أسلوب عمل، ويخلق بدلا عنها سلوكا أو عادة أو طبعا أو طريقة أو ممارسة جديدة، وبالتالي فالاستمرارية هي ما يمكِّن من النجاح ولا يمكن للاستمرارية أن تنجح مالم يتم الصبر عليها حتى تستقر عملية التغيير إلى الوضع المستهدف والمطلوب.

التعلم والممارسة: ذلك أنه لا يمكن إحداث تغيير لمجرد وجود قناعة أو توافر استعداد ووجود صبر فمن الضروري وجود كمية من المعلومات عن الشيء الجديد لبيان أهميته وفوائده للفرد او الأفراد المعنيين بالتغيير وتوضيح مزاياه ثم يكون التدريب (الممارسة) على ذلك الأمر (بحسب نوعية موضوع التغيير)، وإلا ستوجد مقاومة هذا الشيء للجهل به والخوف من عدم القدرة على ممارسته وبالتالي فقد الوظيفة مثلا بسبب وجوده.

التقييم والتقويم: وهما أمران مطلوبان في كل مرحلة من مراحل التغيير حتى يتم تلافي أي انحراف في التنفيذ وتكون مخرجاته هي مدخلات عمليات التحسين التي هي اصلا عملية تغيير.

إن الخوض في تفاصيل عمليات إدارة التغيير وآلياته موضوع يطول، وقد اختصرت فيه خشية الإطالة على القارئ الكريم في مقام لا يحسن فيه التفصيل بل الإجمال، ولعلي في مقام آخر أن أتمم الحديث حول بناء نموذج متكامل لإدارة عمليات التغيير، ويمكنني أن أدعي أن تكون النقاط أو المراحل التي اقترحتها آنفا، يمكن أن تكون أساس بناء نموذج جيد لضمان نجاح عمليات إدارة التغير، وقد أجد الفرصة (إن شاء الله تعالى) لاستكماله بتفاصيله مع مجموعة أدوات لتشكيل حقيبة متكاملة تساعد بشكل منهجي في إدارة عمليات التغيير الذاتي والمؤسسي المصاحب لعمليات التخطيط والتطوير الفردي والمؤسسي، وسيكون بإذن الله مستندا إلى أسس علمية منها الجانب السيكولوجي مع متخصصين في هذا المجال، سعياً في تقديم دليل إرشادي لكل راغب في إحداث عمليات التغيير الإيجابي لتطوير ذاته أو مؤسسته، وسأكون منفتحا على كل رأي مساند بإذن الله تعالى.

ويمكنني في الختام أن ألخص ما سبق بعبارة موجزه وهي:" إن جذر التغيير القناعة بوجود المشكلة أو بضرورة التطوير، وأعمدة بنائه الاستعداد النفسي والحافز، وقوة نجاحه في التعليم والتدريب (الممارسة)، وتمتين وجوده الاستمرارية والصبر، ويكون تجويده بالتقييم والتقويم المستمر".

والله الموفق

 



[1] : عامر بن محمد الحسيني، مقال منشور بعنوان: إدارة التغيير.. أداة القادة، الاربعاء 31 يوليو 2019، https://www.aleqt.com 

[2] https://www.marketsmedia.com: quoted from: PwC 04-06-2021

[3] Randy Woods, Article titled: U.K. STUDY: CHANGE MANAGEMENT CAN REAP HIGH ROI: https://www.marketsmedia.com:

[4] BEST ORGANIZATIONAL CHANGE MANAGEMENT MODELS & METHODOLOGIES: https://www.airiodion.com: