المقالات

الانطفاء الوظيفي

Image placeholder

د. عبدالملك محمد ملهي

الرئيس التنفيذي


الانطفاء الوظيفي ( المفهوم – الأسباب – العلاج)

 

هل تشعر بأنك متعب ومحبط؟ هل تشعر بعدم الرضا عن ذاتك؟ هل تواصل العمل بشكل مستمر في المنزل بعد الدوام وبشكل متكرر؟

هل تشعر بالإجهاد والتعب الجسدي ؟ هل تشعر بالضغط المستمر في عملك؟  هل أصبحت سريع الانفعال وقليل الصبر؟

هل تفقد الحماس والدافعية للقيام بمهامك؟ هل تشعر بالانفصال والعزلة عن زملائك؟

إن كان ذلك كذلك فاعلم بأنك تعاني من الانطفاء الوظيفي؟ الانطفاء الوظيفي ؟ نعم، وهو نتيجة حتمية لسبب رئيس يأتي كمقدمة له، والذي يدعى بالاحتراق الوظيفي، (Job burnout

             الاحتراق الوظيفي حالة من الإرهاق النفسي والجسدي والعاطفي تصيب الموظف تؤدي إلى فقد الرغبة في العمل وتترافق مع انخفاض في مستوى الإنتاجية مع شعور بالإرهاق الذهني والنفسي والجسدي والذي ينتج عن التعرض المستمر للضغوط المختلفة في العمل وتكليف الموظف من قبل رؤسائه بمهام كثيرة لا تنتهي، أو استمراره في عمل لفترات طويلة ليس فيه تجديد ولا تطوير سوى روتين عمل يومي ممل وممل جدا.([1])

كما تتعدد العوامل التي تؤثر في حدوث ظاهرة الاحتراق الوظيفي وتتجمع فيما بينها وتتفاعل لتحدث هذه الظاهرة التي تتسم بالتعقيد والتشابك وقد يسهم في ذلك أن لها مصادر متعددة لعل من أهمها: المصادر الشخصية، والمصادر الاجتماعية، والمصادر الطبيعية (الفيزيقية)، والمصادر الاقتصادية والمصادر الوظيفية والمؤسسية. ([2])

وبالحديث عن المصادر الوظيفية المؤسسية، يمكن القول بأن هناك عوامل كثيرة تتسبب في حدوث هذا الأمر لعل من أهمها: الضغوط اليومية في العمل، كثرة المسئوليات مع قلة الصلاحيات، نقص التحفيز والمكافأة، عدم عدالة التعويضات المالية والمادية للموظف مقابل جهوده، ضعف الحياة الاجتماعية في بيئة العمل حيث لا يوجد فيها أي أنشطة غير العمل، الظلم الذي قد يعرض له الأفراد، صراع القيم بين ما يعتقده الموظف وبين القيم السائدة في المنظمة، جمود الوظائف حيث لا توجد ترقيات ولا تدوير وظيفي، نقص التدريب، إلى غير ذلك من الأسباب. ([3])

كما أن الاحتراق الوظيفي الناتج عن الضغوط له آثار سلبية على صحة الإنسان وقد تسبب له الكثير من الأمراض، مثل: الضغط، السكر، القلب، قرحة المعدة ... الخ. حيث تشير بعض المصادر إلى أن هناك علاقة قوية بين الضغوط والأمراض التي يتعرض لها الفرد، وأنها مسئولة عما بين (50-70%) من الأمراض التي يصاب بها الإنسان فهي بحسب ما يصفها بعض الكتاب (القاتل الصامت). ([4]).

             ومما ينبغي معرفته بأن "الاحتراق الوظيفي" (Job burnout لم يكن معروفا حتى 1974م " حيث تم التعرف عليه للمرة الأولى في إحدى عيادات علاج المدمنين والمشردين بمدينة نيويورك من قبل المحلل النفسي الألماني الأمريكي هيربرت فرودينبر غر، حيث لاحظ أن المتطوعين بالعيادة أضناهم العمل الشاق وأوهن عزيمتهم واستنفد طاقاتهم، حتى فقدوا حماستهم في العمل وأُصيبوا بالاكتئاب، وقد وصف فرودينبرغ غر هذه المجموعة من الأعراض بأنها إنهاك بدني ونفسي ناجم عن ضغوط العمل الشاق لفترات طويلة، وقد أسماها "بالاحتراق النفسي"، وقد لاقى هذا المصطلح رواجًا كبيرًا وأصبح في وقتنا الحاضر ظاهرة عالمية. ([5])

             وقد أظهرت دراسة علمية حديثة، نفذتها الرابطة الأمريكية لعلم النفس بالاشتراك مع مركز بحوث الرأي الوطني في جامعة شيكاغو، بأن 48% من الأمريكيين عانوا زيادة في معدلات التوتر على مدى السنوات الـخمس الماضية، كما أفاد 31% من المبحوثين بأنهم وجدوا صعوبات في إدارة مسؤوليات العمل والأسرة معًا، كما أكد أكثر من نصف المبحوثين 53% بأن العمل سبب لهم حالة كبيرة من الإنهاك والتعب، وأشار استطلاع للرأي نفذته "جمعية إدارة الموارد البشرية الأمريكية" (SHRM)، بأن "الإرهاق والاحتراق الوظيفي" هو أحد أهم أسباب استقالة الكثير من الموظفين، ويؤكد موقع "بيزنس إنسا يدر" الأمريكي، بأن السبب الرئيسي وراء وصول الموظف لمرحلة "الاحتراق الوظيفي" يكون في الاختلال بين المُدخلات والمُخرجات، أي أن الموظف يعطي لعمله أكثر مما يأخذه منه، مع إهمال الموظف لحياته الشخصية. ([6])

             فإن كنت تعاني من انطفاء الحماس والشعور بعدم الرضا وبأنك أصبحت لا تطيق عملك الحالي، فاعلم أنك وصلت إلى حالة صعبة إن واصلت على نفس المنوال فقد تصل إلى الموت الوظيفي وانتهاء حياتك المهنية بغير عائد مجزي على حياتك الشخصية والأسرية والمجتمعية.

وإن كنت بدأت في الشعور بهذه الحالة إما من الضغط النفسي في العمل أو بدء الشعور باللامبالاة بأي شيء في عملك؟ أدرك نفسك ولا تتأخر أو تتساهل، وفي كلا الحالتين إليك بعض الاستراتيجيات التي ستساعدك في التعامل مع كلا الحالتين:

  1. عليك أولا بالتفكير في نفسك وصحتك فهما أغلى مالديك لتستمر في حياتك الشخصية والعائلية والاجتماعية.
  2. يمكنك أخذ إجازة قصيرة تخلد فيها إلى ذاتك وتراجع حياتك المهنية والأسباب التي أوصلتك إلى ما أنت عليه اليوم؟
  3. عليك ألا تقارن نفسك بأي أحد أيا كان شأنه وأن تنظر إلى نفسك نظرة إيجابية ذلك أنك إنسان خلقه الله تعالى وأعطاه إمكانيات ربما لم تستخدمها وتستثمرها بالشكل الصحيح أو لم تضعها في المكان الصحيح.
  4. حدد أهم نقاط قوتك ومنها أهم مهاراتك ومواهبك وأهم أقوى صفاتك التي يمكن أن تستثمرها في قابل أيامك؟
  5. حدد نقاط ضعفك التي ورطتك فيما أنت فيه الآن وحدد أهمها ، وأكتب أمام كل واحدة منها آراءك في كيفية التخلص منها أو كيفية تحويلها إلى نقاط قوة، فذلك سيساعد من يقدم لك المشورة في تحديد أهدافك لتخليصك مما أنت فيه.
  6. حدد العادات السلبية اليومية المتكررة والتي تفرط في استخدامها أو تناولها، مثل: القات ، النوم، شرب المنبهات من شاي وقهوة، أو مشروبات طاقة أو تناول أدوية متكررة لأسباب عارضة مثل الصداع ونحوه، أو غيرها من مضيعات الوقت مثل السهر أو استخدام الإنترنت ..الخ.
  7. حدد أي أعراض جسدية متكررة بشكل مستمر مثل الإرهاق الشديد أو الصداع المتكرر، أو آلام العضلات أو العظام ونحو ذلك وارصدها كتابيا.
  8. إن كانت هناك أسباب مما توصلت إليه لا تزال قائمة وفي يدك تغييرها فسارع بتغييرها فورا : مثل : الطيبة الزائدة التي تجعلك تقول نعم وحاضر لكل طلب يطلب منك، أو أنك تعمل 24 ساعة لا تكل ولا تمل ولا تعطي نفسك ولا عائلتك حقها من الراحة والمتعة لأنك تقدس العمل وترى أنك محق في إغراق نفسك به طوال الوقت أو ربما الوظيفة الحالية لم تكن موفقا في اختيارها أو بيئة المؤسسة التي تعمل فيها ..الخ.
  9. حدد الأسباب التي لا يمكنك حلها أو التوقف عنها بنفسك لأي سبب كان وحاول أن تصل إلى أهمها واكتبها في ورقة؟
  10. اختر مستشارين يمكنك الوثوق بهم لوجود خصلتين لديهم الأول أنهم يحبونك والثاني أن لديهم الخبرة في مجال الاستشارة التي تطلبها؟ واطلب منهم المساعدة في إيجاد الحلول.
  11. حول تلك الأسباب إلى أهداف بمساعدة أولئك المستشارين وضع خطة لا تتجاوز 90 يوما لتنفيذ تلك الأهداف؟
  12. إبداء بالتنفيذ ، وعليك بالإصرار والصبر والمثابرة فقد أضعت الكثير من عمرك وصبرت على الخطأ أفلا تصبر على فعلك للصواب، واعلم بأن علاج الأخطاء لا يكون لمجرد التحرك لمحوها بل يحتاج إلى جهد كبير ووقت للتغيير.

ولكي تنجح في خطتك للتخلص من الانطفاء الوظيفي أو مقدماته وهي الاحتراق الوظيفي فإنه ينبغي عليك الآتي:

  1. لا تبدأ وأنت مستسلم لحالتك النفسية الحالية؟ وانظر إلى من حولك من الأصدقاء وزملاء العمل؟ من هم؟ قَيِّمْ مدى علاقتهم بوصولك إلى الحالة التي أنت فيها ؟ وحدد تماما ما ستفعله حيال كل منهم من الاستمرار أو الاستبدال.
  2. اعلم بأن الرزق مقسوم وبأن كل منا له إمكانياته التي وهبها الله إياها وأنك يجب عليك فقط السعي بذكاء وجهد مع حسن التوكل على الله تعالى، ولا تتطلع إلى ما يستحيل صنعه أو إيجاده.
  3. استعن بالله تعالى وكن ذا عزيمة واعلم بأنك إن بدأت في التخطيط والتنفيذ وعزمت على ذلك وتحركت في الاتجاه الصحيح ولو خطوة متوكلا على الله تعالى فإنه لا يمكن أن يخيب ظنك أبدا.
  4. ينبغي أن تضع لنفسك أوقاتا ومددا زمنية (راحات من العمل تماما) ولا تسمح لأي شخص ان يقاطعك فيها للعمل مطلقا.
  5. راجع كل 30 يوما نسب التقدم وواصل الاستشارة عند حدوث أي عوائق ؟ ولا تستسلم ابدا؟
  6. عدل الأهداف بعد كل عملية مراجعة بما يجعلها قابلة للتحقيق؟

 

        إن قمت بذلك ستجد أنك قادر بإذن الله تعالى على إيقاف العوامل المؤدية إلى الاحتراق / الانطفاء الوظيفي أو على الأقل تحد من تغولهما وتوحشها عليك، وهنا يمكن الجزم بأنك إن سعيت لتطبيق ما سبق فإنك ستجد نتائج باهرة بمشيئة الله تعالى وعونه وتوفيقه، لم تكن في حسبانك وربما تكون سببا في ثرائك وخروجك من دائرة أضعت فيها سنين عمرك وقدراتك، وأنك بهذه الخطوة قد أعدت اكتشاف ذاتك وإمكانياتك وأنك قد نجوت وأسعدت نفسك ومن حولك وستكتشف إن شاء الله تعالى بأنك قادر على مواصلة مشوارك المهني والشخصي بجدارة وبنفس مبتهجة وتواقة للعطاء، وعليك بالعمل وفق إمكانياتك التي أتاحها الله لك والرضا بعد ذلك برزقك الذي قسمه المولى سبحانه وتعالى لك فلست مطالبا بأكثر من ذلك.

 

 


[1] هارفرد بزنس ريفيو العربية، https://hbrarabic.com

[2] سماهر مسلم عياد، ظاهرة الاحتراق الوظيفي لدى الموظفين الإداريين العاملين في وزارة التربية والتعليم العالي بقطاع غزة - أسبابها وكيفية علاجها ، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في غزة - فلسطين2010،  منشورة على النت ص: 12، https://www.academia.edu  

[3] مرجع سبق ذكره: هارفرد بزنس ريفيو العربية، https://hbrarabic.com.

[4] سماهر مسلم عياد، مرجع سبق ذكره ص: 28، https://www.academia.edu  .

[5] خالد احمد، الاحتراق الوظيفي كيفية التعامل معه وهل يمكن مقاومته، مقال منشور على جريدة سماء الإخبارية، الثلاثاء 17 نوفمبر 2020م: https://samanews.ps

[6] المرجع السابق: https://samanews.ps