بدايًة:
ينبغي أن نتفهم بأن مشكلة تعرض الموظفين لانخفاض الروح المعنوية في الأزمات يحدث عادة لسبب رئيس وهو القلق على الوظيفة، وفي
أيامنا هذه نجد بأنه يضاعف هم الموظف بسبب الخوف على النفس وعلى أفراد الأسرة من الإصابة بهذا الوباء الخطير الذي اجتاح العالم
وأقض مضجعه.
ويبدو بأن السبب الرئيس الذي يكمن وراء قلق الموظف قد يكون بسبب إحساسه بوجود صراع نفسي يحدث غالبا لدى الكثير من أرباب العمل
بسبب الموازنة بين المكسب المالي والاحتفاظ بالعمالة في أوقات نقص الموارد المالية وانقطاع أو تعّطل نشاط الشركة، والذي قد يظهر بسبب
عوامل عدة لعل من أهمها ( من وجهة نظري) عاملين حاسمين هما:
- وجود ثقافة إقطاعية سلبية لدى بعض أرباب العمل متوارثة من القرون المظلمة التي خيمة على أوربا من القرن التاسع وحتى القرن الخامس
عشر الميلادي وبعده في مجتمعاتنا العربية إلى وقت قريب، والذين ينظرون إلى الموظف بأن عبارة عن أجير وليس شريك، وخادم وليس
عضو في أسرة، بل يعتبرونه ترسا في عمليات الإنتاج يستبدلونه في أي وقت.
- إهمال أو أعدم معرفة أرباب الأعمال بضرورة تجنيب مخصصات يسميها البعض مجازا الإدخار للأيام الممطرة الذي يعتبر من أحد أسس بناء
موازنات الشركات وكذلك الدول والتي تمكنها من الاستمرار في مواجهة الأزمات عند حدوثها، وتمكنها من دعم الأفراد والمجتمع الذي تعتمد
عليهما في نموها وازدهارها.
ثانيا:
ينبغي أن تتفهم الشركات النقاط المرة التي تؤدي إلى حدوث إشكال نفسي لدى الموظفين في ظل هذه الأزمات لتتمكن من تقديم الدعم
النفسي المناسب، ويمكن في هذا السياق نقل ما لخصه الموقع العربي لقناة (BBC) على النت والذي يذكر الآتي:
- وجود دراسة حديثة، أجرتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، تبين بأن حوالي ( 3.8 ) مليون شخص سيدخلون دائرة
الفقر في المنطقة العربية نتيجة تفشي فيروس كورونا، كماُيتوقع أن تفقد المنطقة حوالي (7.1) مليون وظيفة على الأقل.
- يكمن القلق الرئيسي لدى كثيرين في المجهول الذي يحيط بكل شيء، وإلى متى سيستمر هذا الأمر؟ وكلما طال الوضع الحالي كبرت الفجوة
المالية.
وقد قيل: بأن فقدان أي وظيفة يعد أمرا مزعجا على المستوى النفسي، ولكن القيام بذلك في بيئة عدم اليقين الحالية يمثل ضغوطا إضافية.
كما تذكر عدد من المصادر نقلا عن لفولر قوله: بأن علماء النفس يشيرون إلى أن فقدان الوظيفة يعادل غالبا الحزن على فقدان شخص عزيز،
ويمتد من الصدمة والإنكار، إلى الغضب والمساومة، وفي النهاية القبول والأمل.
ثالثا:
تكون الحلول الفاعلة والناجعة هي تلك التي تحقق التوازن الذي يحقق المصلحة بين الشركة والموظف في أوقات الأزمات بحيث لا يخرج
طرف واحد خاسر بعد انقضاء الأزمة، وهنا يمكن سرد أهم الحلول التي يمكن أن تقدم دعما نفسيا جيدا للموظفين خلال هذه الجائحة الصحية
العالمية (كورونا) والتي يمكن تلخيص أهمها بما يلي:
- تواصل القيادة العليا بفاعلية وباستمرار مع الموظفين وبعدة أساليب مرئية ومكتوبة وفق برنامج مخطط يضمن قرب الإدارة العليا من
القيادة الوسطى بشكل يومي ومن الأفراد عموما بشكل منتظم.
- التأكيد المستمر على أهمية الموظفين بالنسبة للشركة كشركاء عمل، وبمكانتهم لديها، وبأنها ستبذل قصارى جهدها للحفاظ على أمنهم
وسلامتهم.
- توفير أفضل وسائل التطهير والتعقيم والوقاية والإرشاد الصحي في كل مرافق الشركة وخصوصا البوفيه ودورات الماه، والمداخل
والمخارج، وتوفير وسائل وقاية للموظفين الذين يضطرون لزيارة العملاء أو استقبالهم لأداء الخدمة، ويمكن التعاقد مع استشاريين نفسيين
لدعم هذا النشاط فذلك يجعل الموظف يثق بأنه في أيد أمينة على حياته وحياة أسرته.
- ضرورة أيجاد النشرات صحية توعوية للموظفين وعائلاتهم، كلها تنشر الإيجابية وحالات الشفاء وتقدم الشكر والعرفان لكل الأفراد، ولمن
يقدمون جهود استثنائية، وتوفر معلومات الدعم النفسي والوجداني، وتوضح طرق ووسائل تقليل الإنفاق في أوقات الأزمات وكذلك التوعية
الصحية بكل ما يتعلق بطرق الوقاية ووسائل تجنب انتقال العدوى.
- ينبغي أن تقوم إدارة الموارد البشرية بدور فاعل في أن تكون حلقة وصل إيجابية تنشر التفاؤل وتقدم الدعم بشتى أنواعه وتستمع للأفراد
وتعمل على إشاعة روح الإنجاز والأمان بين أوساط الموظفين.
- تقديم الدعم المادي المناسب للحالات التي تتعرض للمرض والاتصال المباشر (قدر الاستطاعة) بالموظفين الذين يتعرضون لأي وعكات
صحية عبر إدارة الموارد البشرية وعلى أن تنقل الموارد البشرية باستمرار تحايا وتمنيات القيادات العليا الشركة بالصحة والسلامة للمريض، ثم
الاتصال المباشر به من قبل قائد الشركة عند الشفاء للتهنئة.
- تقديم الدعم المادي المناسب للحالات التي يتوفاها الله من موظفي الشركة، والاتصال المباشر بأهل المتوفى أثناء هذه الأزمة سواء بهذا
المرض أو بغيره فذلك يقدم الدعم النفسي الكبير لأهل المتوفى وكذلك لباقي فريق العمل.
- تقديم المساعدة للموظفين بتوفير وسائل مواصلات لتجنب قلق الاختلاط في المواصلات العامة، وهذا في صالح الشركة لأن المرض لو
انتشر بين الأفراد سيتسبب في أزمة حقيقية للشركة.
- وضع خطة لإدارة إجازات الموظفين بما لا يؤثر على دخل الموظف أو يثقل كاهل الشركة ويحقق العدالة بين الأفراد، وقد يكون ذلك صعبا
على الشركة لكن يجب أن تبذل وسعها لتحمل التبعات المالية فالموظف شريكها في أوقات الرخاء والشدة.
- تحويل الدوام إلى فترة واحدة مع تقليل ساعات العمل، ووضع خطط للعمل عن بعد للوظائف الممكن أن تقوم بذلك (فذلك لا يؤثر على
دخل الموظف) وتقليل أعداد الموظفين ما أمكن.
- العمل على إعادة تهيئة بيئة العمل لتمتثل لقواعد الأمان والسلامة والتباعد والوقاية أثناء الأزمة، وإيجاد آلية صارمة لمنع التقارب وترتيب
الاجتماعات عن بعد ومنع الاجتماعات المباشرة غير الضرورية، ومنع التزاحم في أي مرفق أو سلم أو عند الدخول أو الانصراف أو في المكاتب
تحت أي مبرر.
- تقليل أو إلغاء سفريات ومهمات العمل للحد من فرص الإصابة أو نقل العدوى.
- الشفافية بشأن خطط تقليص أو تخفيض العمالة وعدم ترك الشائعات تجري مجراها وتكبر لتهز الموظفين جميعا.
أخيرا:
الصرامة الشديدة بتطبيق العقوبات مع أي مستهتر بإجراءات السلامة والوقاية التي تعلن عنها الشركة أيا كان مستوى هذا الموظف ومكانته في
الشركة والتي قد تعرض حياة الموظفين أو العملاء للخطر وقد يكون الفصل من العمل قرارا فوريا يتم اتخاذه ضد المستهترين فذلك يوفر
الثقة في النظام والإجراءات ويقدم دعما نفسيا ومعنويا عاليين للموظفين.
وقد أعجبتني هذه المقولة في أحد المقالات وهي موجهة لأرباب العمل:
انهيارك، يترتب عليه انهيار فريقك بأكمله فكن قائدا متماسكا وإيجابيا، وبالتبعية ستجد فريق عملك كله كذلك.