المقالات

أليس لكل مقام مقال ؟؟

Image placeholder

د. عبدالملك محمد ملهي

الرئيس التنفيذي

أصدر هذه السطور بهذا المثل في هذه الشدة المتناهية التي أوقعت العالم في هذا الضنك والشدة والخوف، لعلنا ننتبه لإعادة ضبط وتهيئة الألسن والأفواه لتترك كثرة الكلام الدنيوي وتنشغل بذكر الله العلي، فتملأ جنبات الأرض ذكرا واستغفارا ودعاء وتلاوةً لكتاب ربنا وأن تنتشر الأصوات في كل حي من أحياء المسلمين لتعطر الأرض كلها باسم الله الودود وتزينه باسم الله الرحمن وتؤمنه باسم الله الشافي.

إننا بحاجة ماسة لإعادة ضبط أصابعنا لتعداد كلمات التهليل التسبيح بدلا من لعبها على لوحات المفاتيح
 (نكات وبوستات) بدعوى الترويح عن أنفسنا لنضحك، فالأمر لا يبدو مضحكا البَتَّة، فكل ضحكات نطلقها في هذا الموت المريع هي ضحكة بالية باهت لونها كلون المصاب الذي اعتصره الألم واعتلته صفرة الموت بسبب هذا الداء العضال الذي أذهل العالم وحيره.

إننا بحاجة أن نشجع خبراء الطب ليستمروا دون يأس في البحث عن الدواء (فما أنزل الله داء إلا وأنزل معه شفاء علمه من علم وجهله من جهل)، وأن نشد على أيديهم ليساعدوا المرضى ويثقفوا الناس ويبثوا فيهم روح الأمل وأن يتحلق الناس حولهم بالدعاء بدلا من تحلقهم حول نشرات الأخبار التي لا تجلب سوى الألم وتزيد الهم وتبعث في النفوس الغم.

ما أحوجنا أن يتحرك علماء الدين ليًثَبِّتُوا الناسَ على دينهم وعقيدتهم، وأن يبثوا فيهم الإيجابية والتفاؤل، من باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ولا يكون ذلك إلا للمؤمن، (أو كما عليه الصلاة والسلام)، ومن باب قوله فداه أبي وأمي في الحديث الصحيح: " يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا " 

إن المقام يعطي هذه الآية موقعها في ساحة المسملين في أصقاع الأرض هذه الأيام:

"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق"

 والواجب المحتم على كل مسلم في هذا الظرف الخطير أن يجيب ربه جل وعلى؛ بلى قد آن بلى قد آن، فإن لم يئن الأوان الآن لي ولك أيها المسلم بأن نتوجه إلى خالقنا ونصحح توبتنا ونتقرب إليه بكل قوانا، ونتوجع بين يديه وننطرح ببابه؟؟ فمتى إذاً؟؟؟!!!  هل ننتظر أن نكون كمثل أولئك الذين عذبهم الله تعالى بسبب عنادهم فقال عنهم في محكم التنزيل:

"فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

أليس لكل مقام مقال؟! هل هذه الأيام العصيبة على العالم كله تستحق أن تكون أيام تسلية ولهو ولعب؟؟!! أليس مخطئا من يرتكب هذا الفعل فيتخذ من المزاح والنكت وسيلة لتمضية وقته وإضحاك الناس بدلا من أن ينتفض خوفا ليقرأ تلك الرسالة الإلهية الخطيرة التي أقضت مضاجع الدول وأوقفت حركة البشر؟؟!! أليس الواجب يقتضي من كل عاقل أن يبادر ليسهم في دفع نفسه وأصدقائه ومعارفه للفرار إلى الله الغفار سبحانه وتعالى ليكشف عن العالم هذا الضر، ويصرفه عنا برحمته.

ألا يستحق الحافظ المتودد سبحانه وتعالى منا أن نرفع إليه أكف الضراعة والشكر، ونبادر إليه بالتوبة حيث أحاطنا حتى اللحظة بكنفه ولطفه وعظيم رحمته وجميل مودته جل جلاله وتقدس جاهه، ولم يفجعنا إلى الآن في حبيب ولا في صاحب ولا قريب، ولم يبتلينا العلي سبحانه برؤية أنفسنا أو أحبتنا يتلوون من شدة الألم ويعانون سكرات الموت أفرادا وجماعات، ولا نجد شيأ نقدمه لهم سوى فيوض الدموع واحتراق القلوب.

 بالله أليس هذا الذي يقوم به البعض منا عيب بل وخطؤ فادح نقترفه في حق ربنا اللطيف الحليم، الذي لا يزال ثوب ستره وخفايا لطفه يحتوينا فلم نصب بما أصاب به غيرنا من البلاء.

ألم نتعظ ونحن نرى أنه قد أعجز أفضل أطباء العالم كلهم حتى اللحظة عن دفع هذا الابتلاء بل ومات الكثير منهم مصابا بهذا الداء؟؟!! بل وتصرح أعلى هيئات الطب في العالم إلى يوم أمسي بأنهم يحتاجون على الأقل إلى عام ونصف لتجريب ما لديهم من وسائل الشفاء.

 إننا إزاء كل ذلك كمسلمين مكلفون بأن نمد أيدينا بالدعاء إلى الشافي سبحانه أن يرفع هذا البلاء وأن يوفق خبراء الطب لا كتشاف الدواء، وأن نكثر لهم من الدعاء في صلواتنا موقنين بالإجابة، وأن نطلب ذلك من عجائزنا وأطفالنا وضعفائنا، فهم الأحرى بأن يستجاب لهم، ويتوجب على كل منا كذلك أن يُؤَصِّل في نفسه وأبنائه يقينا على الله تعال بأنه " ليس لها من دون الله كاشفة" رضي من رضي وسخط من سخط.

إن هذا هو وقت هو أنسب الأوقات لاستخراج العبر والعظات من هذا النذير الذي لا نراه بأعيننا ولكنا نرى فعله يحصد البشر في العالم كله وعلى مدار الساعة، والذي لم يقدر على الوقوف أمامه جبابرة أهل الأرض رغم غناهم وقدراتهم الفائقة وقواهم العسكرية المخيفة مقارنةً بصغر حجم ودقة وجود ذلك النذير الضعيف المجرد من كل الأسلحة سوى سلاح وحيد هو أنه رسول جبَّار السماوات والأرض ولن يترك أهل الأرض إلا بإذنه سبحانه وتعالى.

إذا فالعمل بالأسباب واجب وتركها معصية والاعتماد عليها شرك.

وإذا فوسائل التواصل الاجتماعي فرصة للتوعية والدعاء ونشر الإيجابية والتفاؤل بين أوساط المجتمع وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومساعدة الجهات المختصة في تنفيذ التوجيهات المتعلقة بالوقاية والاحتياطات الصحية الواجبة، وفي تقريب الناس من ربهم سبحانه وتعالى، وهو الوقت الذي يجب أن نؤجل فيه النكت وكثرة الحديث فيما لا يغني ولا يعني، وهو الوقت الذي حان أن يتقرب كل منا إلى ربه بصدق (سرا وجهرا)، وأن يطلب منه العفو والمغفرة وأن يزيد من ساعات الاتصال به سبحانه وتعالى ذكرا وتسبيحا واستغفارا وصلاة ودعاء وصلاة على النبي محمد وآله، وزيادة التراحم والتكاتف فكل ذلك من مجليات الكربات كما ورد في الكتاب والسنة.

وهاهو شهر الصيام والقيام قد لاحت بشائره في الأجواء ولعلها فرصة عظيمة لتعود الأمة إلى الله رب السماء ولعل ربنا جل في علاه أن يجمع لنا بين الفرحتين فرحة النجاة من هذا الامتحان وفرحة حلول شهر رمضان.