المقالات

قراءة تحليلية في مقال (Dave Ulrich): 7 دروس مستفادة من شريك أعمال الموارد البشرية (HRBP)

Image placeholder

د. عبدالملك محمد ملهي

الرئيس التنفيذي لمؤسسة عالم الإدارة (WOM) للاستشارات الإدارية والتدريب ومستشار الموارد البشرية والتنظيم المؤسسي

 

    قراءة تحليلية في مقال (Dave Ulrich): 7 دروس مستفادة من شريك أعمال الموارد البشرية (HRBP)  

 

بقلم: د. عبد الملك محمد ملهي

 

الرئيس التنفيذي لمؤسسة عالم الإدارة (WOM) للاستشارات الإدارية والتدريب ومستشار الموارد البشرية والتنظيم المؤسسي

 

المقدمة:

 

في عالم يسرع فيه مفهوم مهنة الموارد البشرية نحو أدوار أكثر استراتيجية، برز نموذج "شريك أعمال الموارد البشرية "(HRBP) لـديف أولريتش كمنارة فكرية لهذا التحول. في سياقنا العربي واليمني على وجه أخصّ، يظل التحدي الأكبر هو عبور الفجوة الشاسعة بين طموح النظرية وقسوة الواقع. تلك الفجوة لن يتم ردمها بالشعارات ولا بالنقل الحرفي، بل بتجارب صغيرة مُجرَّبة تُظهر أثرًا سريعًا وتكسب ثقة القيادة.

 

في هذه القراءة التحليلية، لن نكتفي باستعراض الدروس، بل سنضعها في ميزان الواقع، محاولين ألا نكتفي بـ: "ماذا" يجب أن نفعل فحسب، بل "كيف" يمكننا البدء بخطوات عملية، وأن نصطحب مع ذلك اعترافنا بأن الطريق إلى الشراكة الاستراتيجية ليس استيرادًا للنماذج، بل هو عملية تكييفٍ وبناءٍ تبدأ من الفهم العميق لواقعنا وتحدياتنا الفريدة.

 

ملحوظة نقدية:

 

رغم بريق هذا النموذج من الناحية الفكرية، لكنه يفترض وجود بنية مؤسسية مستقرة وموارد متاحة، وهذه شروطٌ نادرًا ما تتوافر في بيئتنا المحلية وبالأخص الدول غير المستقرة مثل بلدنا (اليمن). لذلك؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ليس: ماذا قال أورليتش؟ بل أي أجزاء من هذا النموذج يمكن تكييفها على واقعنا المحلي، وأيها يحتاج إلى إعادة ابتكار ومواءمة محلية؟

 

1️⃣ الدرس الأول: النموذج ليس فريدًا للموارد البشرية

 

يذكر أولريتش في هذا الدرس، أن كل الإدارات في الشركة تخضع للضغط كي تقدم قيمة ملموسة، مثل: المالية، التسويق، تكنولوجيا المعلومات… إلخ. وبهذا لن تكون إدارة الموارد البشرية استثناءً. فذلك يعني أن الشراكة ليست ميزة حصرية لإدارة بِعَيْنِها، بل تكون ضرورة مهنية يفرضها السوق.

 

تعليقنا:

 

في بيئتنا العربية، نعتقد أن الكثير من القيادات وأرباب العمل لايزالون ينظرون إلى إدارة الموارد البشرية كوظيفة روتينية خدمية إدارية. بالعودة إلى الواقع المُعاش، فإنه يقول بأن ممارسيّ الموارد البشرية أنفسهم، هم من يسهم في تثبيت هذه النظرة القاصرة.

 

تحدي التطبيق: المشكلة هنا ليست في الفكرة، بل في استمرار ترسيخ النظرة إلى إدارة الـ HR أنها مجرد إدارة أوراق وعمليات يومية، وبدون تغيير هذه العقلية على مستوى القيادات العليا وأرباب العمل، سيظل أي نموذج مهما كان مذهلا عبارة عن تنظير لا داعي له.

 

2️⃣ الدرس الثاني: التركيز على النتائج لا العمليات

 

يدعو أولريتش للانتقال من حساب عدد الدورات التدريبية أو الساعات التدريبية، إلى سؤال: ماذا حقق التدريب فعليًا في تحسين الأداء أو الولاء أو العائد المالي؟

 

تعليقنا:

 

هذا هو جوهر التحول المطلوب في الشركات العربية واليمنية. إن التوقف عن "كم" والبدء في "كيف ولماذا"، هو بالفعل ما ينبغي أن يتم التحوٌّل إليه، فهو ما سيجعل إدارة الموارد البشرية إدارةً استراتيجية، تؤدي أدواراً رياديةً إنتاجية بدلاً من اقتصارها على أداء دور خدمي روتينيٍّ فحسب.

 

تحدي التطبيق: الكثير من إدارات الموارد البشرية في شركاتنا لا تملك حتى آلية قياس مُبَسَّطَةٌ، ما يجعل الحديث عن "العائد" مجرد شعار. البداية تكون بوضع واختبار أدوات وإن كانت أولية، فالمهم أن تكون دورية ومنضبطة، ذلك أن عدم إيجاد تلك الأدوات، سيبقى خطاب "النتائج" محضُ إنشاء، ولن يتحول إلى واقع يدعم تحسين الأداء والإنتاجية.

 

3️⃣ الدرس الثالث: من الممكن تحقيق دور الشريك التجاري في العديد من فئات وظائف الموارد البشرية

 

النموذج ليس محصورًا في الـ HRBP المُدْمَج مع وحدات العمل، بل يمتد لمراكز الخبرة (COEs) ومراكز الخدمة (Shared Services). فكلهم شركاء أعمال بطريقة أو بأخرى.

 

تعليقنا:

 

هذا يفتح أمامنا بابًا لتصميم هياكل مرنة تجمع بين الشراكة والتخصص والتقنية.

 

تحدي التطبيق: ضعف دعم القيادات العليا لإدارات الموارد البشرية، وتركيزها على دعم الأدوار الروتينية يضع تحدياً أكبر أمام الموارد البشرية للقيام بهذا الدور.

 

4️⃣ الدرس الرابع: معلومات فريدة تصنع ميزة تنافسية

 

يضيف أولريتش أن إدارة الموارد البشرية تجلب للطاولة ما لا يملكه غيرها، مثل: (رؤى حول المواهب، القيادة، الثقافة التنظيمية). هذه العناصر تصنع الفارق في السوق.

 

تعليقنا:

 

في مجتمعاتنا العربية وخصوصا في البيئة اليمنية، لا يزال دور الـ HR في صياغة الثقافة المؤسسية وصنع الموهبة دوراً ضعيفًا، رغم خطورة هذا الدور الفريد.

 

تحدي التطبيق: قناعات القيادات العليا وأرباب العمل بأهمية الثقافة المؤسسية، وأهمية توفير العدد الكافي والمؤهل من مختصي الموارد البشرية تُعَدُّ حجر الزاوية في التطبيق والتفعيل. الكارثة هي أنَّ كثيرًا من هذه الرؤى تضيع في غياب قاعدة بيانات، فتُهدر الميزة قبل أن تولد.

 

5️⃣ الدرس الخامس: HR كمهندس ومعماري وأنثروبولوجي

 

الموارد البشرية مطالبة بالجمع بين التحليل الكمي (جداول، بيانات، إحصاءات) والتحليل النوعي (فهم الاتجاهات المجتمعية والسياق الثقافي).

 

تعليقنا:

 

هذا الدرس مهم جدًا بالأخص في بيئتنا اليمنية المضطربة: فالأرقام وحدها لا تكفي، بل يلزم فهم العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية لتمكين الأفراد من الاندماج الوظيفي، وجعل المنظمة مكانا يوفِّر الأمن الوظيفي.

 

تحدي التطبيق: المشكلة الجوهرية ليست في إدراك أهمية المزج بين الكمّي والنوعي، بل في القدرة العملية على جمع بيانات صحيحة بشكل موثوق، ثم إيجاد من يملك مهارات تفسيرها وربطها بالسياق الاجتماعي والسياسي، ثم تطبيق التوصيات.

 

6️⃣ الدرس السادس: قاعدة 20-60-20 في التغيير

 

20% من محترفي HR تبنّوا النموذج فعلًا، 60% يسيرون في الطريق، 20% لن يصلوا.

 

تعليقنا:

 

في منطقتنا، قد تكون النسب أكثر تحديًا بسبب ضعف البنية المؤسسية، لكن الدرس واضح: التغيير رحلة جماعية وليست نقلة فورية. ندعو محترفي الموارد البشرية لتبني النموذج ومحاولة تطبيقه كرحلة مؤسسية بدلا من انتظار استقرار الأوضاع.

 

تحدي التطبيق: في بيئتنا قد تكون النسب أكثر سوءًا، ليس لغياب الكفاءات فحسب، بل لغياب الحوكمة التي تحمي الممارسات الجيدة من الاندثار.

 

7️⃣ الدرس السابع: شريك الأعمال يتطلب مهارات جديدة

 

لا يمكن لشريك الأعمال أن ينجح بالخبرة التقليدية فحسب، بل يجب تطوير كفاءات في التحليل، الاستراتيجية، وفهم السوق. وهنا بيت القصيد. كل حديث عن (HRBP) يصبح شعارات إن لم يواكبه استثمار في رفع قدرات محترفيّ وقيادات الموارد البشرية.

 

تحدي التطبيق: الحقيقة أن التدريب لتنمية الجدارات بدون تفويض وصلاحيات قد يجعل النتيجة مجرد "حقيبة تدريبية" لا تغيّر شيئًا في الممارسة.

 

خلاصة WOM:

 

نحن في WOM نرى أن نموذج شريك الأعمال ليس مجرد إطار عمل عالمي مستورد، بل نموذج فكريّ، وممارسة مثلى، ينبغي أن تتأصل ويتم موائمتها محليًا. الموارد البشرية في اليمن والعالم العربي بحاجة لأن تنتقل من دور "المنفذ الإداري" إلى دور "المهندس الاستراتيجي". ورغم أن دروس ديف أولريتش السبعة تضيء لنا الطريق، إلا أن تطبيقها بنجاح يفرض علينا تبني رؤى جوهرية تعالج نقاط القصور. يمكن تلخيص أهمها بما يلي:

 

أولاً: الواقعية قبل المثالية - ابدأ من حيث أنت

 

قبل السعي لدور "المهندس الاستراتيجي"، يجب على الموارد البشرية أن تتقن دور المستجيب الأول للأزمات. في بيئتنا اليمنية، قد تبدأ القيمة المضافة من تحقيق الأمن الوظيفي وبناء الصمود النفسي للموظفين. يجب أن تكون أولويتنا هي حل المشاكل الحقيقية والمُلحة اليوم، فهذا هو المدخل لكسب الثقة.

 

ثانياً: الشراكة مسؤولية مشتركة - لا يمكن للموارد البشرية أن تتحول بمفردها

 

قد يكون أكبر عائق هو عقلية القيادات العليا التي لا تزال ترى الموارد البشرية إدارةً خدميَةً. لذلك، يجب أن تشمل مهمة مدير الموارد البشرية "تثقيف قيادات شركته" على القيمة الاستراتيجية لرأس المال البشري، وبناء شراكة حقيقية معهم على لغة الأرقام والأثر المالي.

 

ثالثاً: نحو خارطة طريق تنفيذية - تجاوز "لماذا" إلى "كيف"

 

نحتاج إلى الانتقال من التنظير إلى التطبيق عبر تطوير أدوات مُبَسَّطَةٍ وعملية. بدلًا من الأنظمة المعقدة، يمكن البدء باستطلاعات رأي قصيرة أو ربط تقييم الأداء بهدف استراتيجي واحد. يجب أن نبتكر حلولنا الخاصة، البسيطة، المرنة، منخفضة التكلفة، وعالية الأثر التي تناسب واقعنا.

 

رابعاً: النموذج إطار مرن وليس قالبًا جامدًا

 

يجب أن نتذكر أن نموذج أولريتش هو إطار للفكر وليس وصفة جاهزة. قد يكون "شريك الأعمال" في شركة يمنية هو الخبير في إدارة المواهب في ظل النزوح، أو المتخصص في بناء ثقافة عمل إيجابية في بيئة محبطة. يجب أن نعيد تعريف النموذج بناءً على أكبر تحديات تواجه منظماتنا.

 

وخلاصة الأمر: "إن القيمة الحقيقية لن تكون في تقليد نموذج أولريتش كما هو، بل في إعادة صياغته بعيوننا نحن؛ عيونٍ تعيش الأزمات وتعمل على التكيف لتضمن الاستمرارية والبقاء".

 
   

عن المؤلف:

   

د. عبد الملك محمد ملهي – استشاري موارد بشرية وتنظيم مؤسسي بخبرة تتجاوز 30 عامًا في تصميم وبناء أنظمة الموارد البشرية والهياكل المؤسسية. عمل مع مجموعات شركات وبنوك ومؤسسات كبرى في اليمن وخارجها، وأسهم في تطوير استراتيجيات التحول المؤسسي، وتصميم سلالم الأجور، ونظم الحوافز، وبناء القدرات القيادية. مؤسس ورئيس مركز رواد عالم الإدارة للاستشارات والتدريب، وصاحب مبادرات معرفية ومجتمعية في نشر ثقافة الإدارة والحوكمة والتطوير المؤسسي في المنطقة العربية.

 
 
   

📌 للاطلاع على المقال الأصلي لـ : ديف أولريتش (باللغة الإنجليزية):     7 Lessons Learned About the HR Business Partner Model – Dave Ulrich

 
   

المصادر والمراجع: